
في صباح يوم شتوي دافء وممطر ” لا عجب أن يجتمع الدفء والشتاء والمطر لأنني اسكن في مدينة جدة حالياً ” ، أشعر برغبة ملحة للكتابة خلف زخات المطر، يبدو أنني لم اكتب كثيراً منذ بلغت الثلاثون، وكإنني أصبحت من النضج والوعي بحيث لا تثير مشاعري التفاصيل الصغيرة، ولا اقضي لحظات يومية في البحث عن معنى لحياتي.
والأمر بالعكس تماماً، ظاهرياً تبدو حياتي هادئة جداً منذ بلغت الثلاثون، أنهيت اطروحتي للماجستير واستمتع برؤية وثيقة التخرج معلقة أمامي كل يوم، لكن جزء لايزال بسيط حتى الأن الحمدلله ينظر للوثيقة بحزن واتساءل رغماً عني، هل ستفقد قيمتها مع الوقت؟ ككل الإنجازات الصغيرة التي تبدو بعيدة جداً وبلا معنى بعد مرور السنوات؟
خصوصاً انني قررت البقاء في المنزل لبعض الوقت للتركيز على ما اريده حقاً لحياتي الفترة القادمة.
أتذكر انني كنت اضع في سيرتي الذاتية دوماً برنامج للخياطة التحقت به وانا في الصف السادس الابتدائي. كان انجاز عظيم لطفلة في عمري لا أزال احتفظ بأثاره المعنوية والمادية حتى الآن خصوصاً انني من وقتها بقيت مخلصة لمجال الخياطة والتصاميم في دراستي وحياتي. لكن بالطبع قمت بحذف البرنامج من سيرتي الذاتية لإنه يبدو من السخف وضع برنامج صيفي أقدمت عليه وأنا طفلة في سيرة ذاتية لامرأة في الثلاثين!
وبعدها عرضت سيرتي الذاتية ذات الصفحات الثلاث لصديقة تعمل كمسؤولة في التوظيف لتختصرها، لإنه ورغم كل أهمية انجاز بالنسبة لي اعلم انه لا ينبغي لشخص ان يكون له سيرة ذاتية من ثلاث صفحات هههه
بالطبع قلصتها لنصف صفحة! وحذفت كل انجاز وبرنامج أقدمت عليه بشجاعة وحماس وتميز قبل واوائل العشرون، ببساط هذه إنجازات قديمة جداً!
في الثلاثون أدركت أن سيرتي الذاتية لا يجب أن تتجاوز صفحة واحدة، لذلك ليس علي السعي خلف إنجازات كثيرة، يكفيني أن أعمل على شيء او اثنين ذا معنى وقيمة فعلية لا تنتهي صلاحيتهم مع مرور السنوات.
في الثلاثون ورغم هدوء الحياة واتساع نظرتنا للأمور لا نزال في مضمار جري، من لم تتزوج ستقل لديها فرص الزواج، والمتزوجة سيقل لديها مخزون بويضاتها وعليها الإسراع بإنجاب اطفالها، من لا تزال تسعى للوزن المثالي عليها الإسراع لأن معدل الحرق يتناقص، من لا تزال تبحث عن وظيفة احلامها ستقل لديها الخيارات مع مرور الوقت، حتى وظائف الإعادة والمحاضر في الجامعات ستشهر شرط العمر. وكأن الاستقرار في الثلاثون واجب وليس وخيار رغم كل شعارات الثلاثون المثالية.
في الثلاثون تكون قمة متعتي الجلوس على الاريكة في الصباح الباكر والشمس لا تزال تشرق اتأمل حياتي وامتن للتفاصيل الصغيرة، اقرأ، اعد افطاراً على مهل مستشعرة بكل ذرة في كياني قيمة الهدوء وهذه اللحظات بعد سنوات طويلة من الركض، ومدركة بأن لا ضمانات في الحياة لاستمرار هذا الطقس الصباحي المحبب لذلك انغمس فيه تماماً.
ولكن ككل مرة، أتساءل ان كنت سأندم على هذه اللحظات الاختيارية لاحقاً ؟ هل سأندم لأنني لم استغل كل لحظة في الثلاثون لتنمية سيرتي الذاتية والسعي كل صباح في دروب الحياة؟
في أول الأشهر بعد انهائي للماجستير شعرت بأنني استحق تلك اللحظات تماماً، لكن مع مرور الوقت يتضاعف لدي الخوف من اختياراتي.
لا اريد لنفسي أن أكبر واصبح من الأمهات المتذمرات الذين يتهمون أطفالهم ومحيطهم بأنهم السبب في العناء اليومي للوظيفة كل يوم، ان تجرفني الوظيفة لملاحقة طلبات وكماليات من حولي بسبب شعوري الدائم بالذنب والتقصير.
ولا اريد ان اصبح من ربات المنزل اللاتي لا يمتلكن علاقات قوية خارج محيط الأسرة، وتلمن تلك الأسرة دائماً في انهم السبب لبقائها في المنزل وابتعادها عن العالم وعليهم الاعتناء بها كما اعتنت بهم تماماً نفسياً ومعنوياً ومادياً!
نموذجان متطرفان لكن مرعبان بالنسبة لي، عندما أخرج من المنزل أو أقرر البقاء فيه اريد أن افعل ذلك بكامل قناعتي ورغبتي، الاستقرار الوظيفي والاستقلال المادي مغري، واريكتي في الصباح الباكر مغرية، واقضي أيامي حالياً في التفكير بالجمع بينهم بطريقة سحرية!