
إلى صديقي العزيز سانتورا
لقد تلقيت رسالتك الأخيرة بحزن، الحياة في محيطي غير مستقرة، وأشعر بأنني من شدة مقاومتي للسقوط أصبحت هشة من الداخل، كنت سابقاً أستطيع مواجهة الرياح العاتية بصبر لكنني الآن أخشى حتى من نسيم الربيع ..
عذراً على المقدمة الحزينة وعلى كل حال مبارك لك بلوغك عامك الخامس والثلاثين!
امم كما تعلم لقد اقتربت أنا كذلك كثيراً من الغوص في اعوامي الثلاثون، لم أكن اتصور بأنني سوف أتحسس من مسألة العمر هذه يوماً! لكنني فعلاً أمر بمشاعر غريبة جداً يصعب على فهمها ..
فأنا أشعر أحياناً بأنني في مقتبل العمر والحياة أمامي طويلة ثم اتفاجأ بدعوة زفاف لطفلة من العائلة!
ثم احاول تذكر عمر تلك الطفلة بإندهاش وأدرك انها تبلغ التاسعة عشر، لقد كنت أحملها على يدي وهي طفلة! كم اصبحت أنا كبيرة بنظر العالم ياترى؟!
تخيل ياعزيزي سانتورا أي موقف تعرضت له في آخر حفل زفاف ذهبت إليه، استمع لهذه القصة المضحكة في ظاهرها!
صادفت في الحفل صديقة من الجامعة وشعرت بسعادة وكأننا افترقنا بالأمس رغم انني لم اتذكر جيداً في البداية من أين اعرفها تحديداً لكن بقليل من المساعدة تذكرت وأشعر بأنها اندهشت قليلاً عندما استفسرت منها من أي جامعة تحديداً اعرفها! لكن لا بأس تذكرتها في النهاية واستوعبت في لحظة بأنه مضت سبعة سنوات على آخر لقاء بيننا، لكن دعني أكمل، فجأة قدمت لي هذه الصديقة شابة جميلة وقالت ببهجة هذه ابنتي في آخر مراحل الثانوية ..
للحظات لم استطع تمالك إندهاشي وقفزت الدهشة على لساني فوراً، ابنتك؟! متى انجبتيها؟! كم عمرك انتِ؟! ضحكت بخجل وقالت لقد تزوجت مبكراً جداً وتركت مقاعد الدراسة لعدة سنوات قبل أن اعود من جديد للدراسة معكم، تنهدت بإرتياح لثواني قبل ان تسألني عن أختي التي تقارب عمر ابنتها ان كانت هذه ابنتي؟!
شعرت بشعور غريب اجبتها بلا فأبنتي تبلغ من العمر اقل من ٥ سنوات فقط، وذهبت للنظر للمرآة فوراً، هل ابدو في الثلاثون حقاً ؟! هل من الممكن ان تكون لي إبنة شابة لو انني انجبت مبكراً ؟! لماذا لا أشعر بذلك في روحي ايضاً؟!
لماذا لايغمر الضياء داخلي بالهدوء والحكمة كما بدأ يغمر سواد شعري بكرم..
لطالما كنت أرى وأشعر بأن عمر الثلاثون عمر الهدوء والحكمة والإستقرار والسعي خلف اهداف واضحة في وسط أيام هادئة، أليس من الظلم أن اصبح في عمر الثلاثون وأنا بلا وظيفة رسمية، بلا ثلاثة أطفال على الأقل، بلا كتاب منشور، ولا معرض فني..
كل انجازاتي في العشرون تضاءلت في نظري وأشعر بأنها بعيدة وقليلة
كيف كانت تبدو عظيمة جداً في وقتها ؟! كيف كنت أحصد الجوائز التي تبدو بلا معنى الآن وكأنها من حياة أخرى!
كيف تُنسى وتقدم الإنجازات في هذا العصر، وكم من إنجاز يلزمنا لنكون دوماً في الصورة؟! لنكون مواكبين وحاضرين وسط سباق الإنجازات اليومي المحموم ..
ياعزيزي سانتورا الحكيم، لطالما ساعدتني بحكمتك وأنت الآن هناك مستقر في وسط الثلاثين وتبدو مرتاحاً جداً فيها، أخبرني كيف يبدو الأمر من مكانك ؟! هل ستهدأ هذه العواصف حين أصل لهناك؟! هل ستهدأ الأيام؟! هل سيتضح الطريق؟!
وأخبرني بسرّك في العبور من العشرينات للثلاثينات بهدوء؟؟ كيف تتغلب على شعور الطفل الصغير في داخلك، كيف تنضج وتصبح أكثر حكمة، كيف تقرر التغافل والمضي بهدوء؟ كيف تواكب مرور الزمن على ملامحك؟
وإن نجح كل ذلك، ألا تفكر أحياناً بكيفية تجاوز تلك المشاعر في كل عبور؟ كيف ستعبر مجدداً من الثلاثين للأربعين، وللخمسين، وللستين، وللسبعين، وكيف سيبدو عبورنا الأخير؟! ماذا ينتظرنا بعد ذلك..
انتظر ردك ..
إسراء